ترامب والأصوات اليهودية- استقطاب أم نفور؟

المؤلف: د. جمال قاسم10.08.2025
ترامب والأصوات اليهودية- استقطاب أم نفور؟

في خضمّ احتدام المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، يسعى المرشحان، دونالد ترامب وكامالا هاريس، بجهود مضنية لكسب أقصى قدر ممكن من الدعم المالي والانتخابي من مختلف الشرائح الاجتماعية والعرقية. ويُولِي الرئيس السابق ترامب اهتمامًا خاصًا بالصوت الانتخابي اليهودي، ساعيًا لضمان الفوز في هذه الانتخابات الشرسة.

إلا أن ترامب قد أثار استياء العديد من قادة المنظمات اليهودية الأمريكية في خطابه الأخير بواشنطن، حيث حذّر من تنامي معاداة السامية في الولايات المتحدة، لكنه تضمّن أيضًا انتقادات سياسية لاذعة لم تعتد المجتمعات اليهودية سماعها من المرشحين للرئاسة طوال العقود الماضية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

لقد كشفت تصريحات وخطابات ترامب خلال الفترة الأخيرة عن قناعته بأنه يستحق الحصول على كافة أصوات اليهود الأمريكيين، معتبرًا أن أي تصويت بخلاف ذلك هو بمثابة كره للذات والدين اليهودي وإسرائيل. بل وحمّل ترامب الناخبين اليهود مسؤولية احتمال إخفاقه في الانتخابات الرئاسية القادمة، محذرًا في الوقت نفسه من التداعيات الوخيمة لهزيمته على المجتمعات اليهودية في أمريكا الشمالية وعلى دولة إسرائيل.

وتنبأ ترامب في معرض خطابه بأن هزيمته في هذه الانتخابات الرئاسية ستؤدي إلى زوال إسرائيل في غضون عامين، مرجعًا ذلك إلى أن منافسته الديمقراطية، كامالا هاريس، تحمل –على حد زعمه– ضغينة لإسرائيل، متجاهلًا دعمها الثابت لأمن واستقرار إسرائيل، وزواجها من رجل يهودي أمريكي يقود حاليًا حملات إعلامية لمكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة.

كما شنّ ترامب هجومًا ضاريًا على هاريس وإدارة بايدن، متهمًا إياهما بالتراخي في التعامل مع المظاهرات الطلابية الحاشدة في الجامعات الأمريكية ضد الحرب الإسرائيلية في غزة، معتبرًا هذه المظاهرات جزءًا لا يتجزأ من معاداة السامية وتسببًا في تفاقمها في الولايات المتحدة.

وتعهد ترامب للأمريكيين اليهود بسياسة فدرالية أكثر تشددًا مع الجامعات الأمريكية التي تشهد مظاهرات مناوئة لحكومة إسرائيل وحربها الضروس في غزة، مهددًا بترحيل الطلاب الأجانب المتعاطفين مع حماس، بالإضافة إلى إعادة العمل بسياسة منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، خصوصًا من الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات المسلحة، مثل اليمن والسودان وسوريا.

ولم يفوّت ترامب الفرصة لمهاجمة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور اليهودي تشاك شومر، واصفًا إياه بأنه عضو في حركة حماس الفلسطينية، على الرغم من مواقفه الصهيونية الراسخة في الدفاع عن إسرائيل.

إن إعادة ترامب التشكيك في ولاء المجتمعات اليهودية الأمريكية وخياراتها السياسية يُحيي ذكرى اتهامات مماثلة طالما لاحقت اليهود على مر العصور، وعانوا خلالها في أوروبا من سياسات اجتماعية عنصرية بغيضة.

ماذا قدّم ترامب لإسرائيل؟

لقد أظهر ترامب خلال فترة رئاسته دعمًا كريمًا لإسرائيل وجرأة سياسية مجحفة بحقوق الفلسطينيين التاريخية التي نصت عليها قرارات مجلس الأمن الدولي العديدة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتمثل ذلك في قراره المثير للجدل بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما يُعد اعترافًا أمريكيًا بالقدس كعاصمة رسمية لإسرائيل.

وقد تجنب الرؤساء الأمريكيون السابقون تفعيل قانون الكونغرس المتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مستخدمين في ذلك الصلاحيات التي يخولها لهم القانون، تاركين مصير المدينة المقدسة المحتلة لمفاوضات السلام النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقد قوبل قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية بترحيب حافل في الأوساط الإسرائيلية، واستياء شديد لدى المدافعين عن الحقوق الفلسطينية. كما أقر ترامب بحق إسرائيل في ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة، متجاهلًا قرارات مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، ومواقف الإدارات الأمريكية السابقة.

ولعب ترامب دورًا دبلوماسيًا فاعلًا في توسيع دائرة التطبيع العربي الإسرائيلي لتشمل أربع دول عربية جديدة، دون أن يُلزم إسرائيل بتقديم أي تنازلات للفلسطينيين، متبنيًا رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإمكانية تحقيق تطبيع كامل مع الدول العربية دون تقديم أي تنازلات حقيقية على أرض الواقع.

تعكس شخصية ترامب الذهنية المادية المحضة التي تؤمن بضرورة وجود مقابل مادي لكل عمل سياسي يقوم به، حيث يرى في التعاملات السياسية مجرد صفقات تجارية. لذلك، يعتقد ترامب أنه وحده من يستحق أصوات جميع اليهود الأمريكيين لما قدمه من خدمات جليلة لإسرائيل، وليس لما قدمه للناخبين اليهود في أمريكا من خدمات.

بعض ملامح السلوك الانتخابي لليهود الأميركيين

يشكل الناخبون اليهود الأمريكيون نسبة تقل عن 3٪ من إجمالي الناخبين في الولايات المتحدة، ولكنهم يتميزون بسمتين بارزتين: المشاركة الكبيرة في التصويت في الانتخابات الأمريكية، والتبرع المالي السخي للحملات الانتخابية. وعلى الرغم من أن اليهود الأمريكيين يتوزعون في معظم الولايات، إلا أن ثقلهم السياسي من ناحية التصويت يتركز في ولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا وفلوريدا وبعض الولايات الأخرى.

تُظهر اتجاهات السلوك الانتخابي لمعظم المجتمعات اليهودية الأمريكية ميلًا للتصويت لصالح المرشح الديمقراطي، وذلك لعدة اعتبارات، منها أن الحزب الديمقراطي يعتبر نفسه حزبًا يجمع الأقليات العرقية والدينية المختلفة منذ تبنيه القضايا الليبرالية في منتصف الستينيات، مثل الحقوق المدنية وحرية المرأة، بخلاف الحزب الجمهوري الذي سعى منذ ذلك الوقت إلى استمالة الأغلبية البيضاء المحافظة، خاصة في الجنوب الأمريكي.

وتجدر الإشارة إلى أن دعم إسرائيل ليس محل خلاف جوهري بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، حيث يتنافس المرشحون عادة في تقديم الوعود لإسرائيل خلال الحملات الانتخابية، ونادرًا ما يشذ مرشح عن هذه القاعدة. وبالتالي، لا تتغير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل بتغير الإدارات، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية.

وعلى الرغم من الدعم القوي الذي تبديه الجماعات اليهودية نحو إسرائيل، بدأت تظهر أصوات معارضة –وإن كانت قليلة– للوحشية الإسرائيلية في حربها الأخيرة ضد الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، طالب بيرني ساندرز، المرشح اليهودي الأمريكي السابق للرئاسة وأحد أبرز القيادات الليبرالية في مجلس الشيوخ، بوقف الدعم العسكري لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة حتى ترضخ للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة وإتمام صفقة تبادل الأسرى.

والجدير بالذكر أن ساندرز قد حظي بتأييد واسع من الجماعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة خلال ترشحه للرئاسة في عامي 2016 و2020، وذلك تقديرًا لمواقفه المتعاطفة مع حقوق الفلسطينيين والحقوق المدنية للمسلمين والعرب الأمريكيين.

مما لا شك فيه أن محاولات ترامب الرخيصة لاستمالة أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات القادمة لن يكون لها تأثير كبير، نظرًا للميل التقليدي للناخبين اليهود نحو الحزب الديمقراطي والقضايا الليبرالية.

كما أن نفورهم الفطري من ادعاء الوصاية على أصواتهم الانتخابية، الذي يتبناه ترامب في خطاباته السياسية، يزيد من تخوفهم من وجود بعض الجماعات العنصرية البيضاء ذات التاريخ الطويل في معاداة السامية في أوساط قاعدة ترامب الانتخابية، وتأثيرهم المحتمل في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة